Thursday, March 5, 2015

حياةٍ علي المحك (سلمي جمال)





بسم الله الرحمن الرحيم:


حياةٍ علي المحك......


دقت عقارب الساعة معلنة إنها الساعة الثالثة....ساعة آيلا الخاصة.....التي أرادت دوماً معرفة سرها.....لم هذا الوقت بالتحديد؟ لم في وسط الليل؟

استيقظت آيلا لتكمل ما لم تنهه قبل ساعاتٍ قليلة.....فهي إعتادت الليل و أصبحت،كما يزعم البعض،"كائن ليلي" إنطوائي ممل و كئيب،لا روح به....






كم تمنت آيلا أن تواجهّم بحماقتهم و معتقداتهم عنها و إنهم ببساطة يجهلوا سر تعودها علي تلك الحياة الراكدة.....ليس وفاة أبيها! فهي تجاوزت


تلك المرحلة...قلبها منكسر ولكن ذلك ليس سبب حبها لليل و حياة السواد....هناك شيءٍ يصعب عليها البوح به....






شرعت آيلا في بدء مذاكرة مادة الحساب المملة التي دوماً تمقتها،و استمرت في حل مسائل لا جدوي من فهمها!و أبقت نفسها منشغلة هكذا حتي يأتيها ما يقلب حياتها رأسا علي عقب كل ليلة! السر التي تمنت كثيراً أن تكشفه.....



وسط إنشاغلها و صبرها لقدوم الساعة المحتومة....جالت بخاطرها بعيداً وتذكرت أول مرة ظهر لها ذلك السر و كيف تحول رعبها و فزعها إلي فرحة و إرتياح.....



تذكرت تلك الليلة حين كانت واقفة في الشرفة.....ذهنها شارد كعادتها.....دائمة التفكير في أبيها الذي تركها في مقتبل عمرها و هي في أشد الحاجة إليه.....كم مؤلم فراق الأحبة ...ملت من حياتها و من كونها وحيدة و غير مفهومة دائماً!!



كم تريد أباها ليوجها في هذة الدوامة التي لا نهاية لها.....



و فجأة قطع حبل أفكارها و شجنها صوت فتح الشباك من الشرفة المجاورة!....تصلبت آيلا في مكانها....فهذا البيت أصحابه مهاجرين منذ زمن ولا أحد يدخله أبدا!!



كتمت أنفاسها و اختبئت حتي رأت فتي يخرج من الشرفة....وجهه ليس بغريبٍ،كأنها رأته من قبل.....لم يكن جميلاً ولا مفتول العضلات و لكن كان هناك لمحة في وجهه أعطتها دليلٍ إنه من سيفهمها في تلك الحياة المعقدة!!


ظلت مختئبة حتي اطمئنت إنه كائن حقيقي لحم و دم وليس "سوبر مان" من وحي خيالها!!!



بدا كأنه يستكشف المكان لأول مرة و كان علي وجهه ملامح من الحيرة و التيه....ظلت آيلا تراقبه حتي دخل إلي منزله مرة أخري.....و من ثم اعتدلت و انتابها شعوراً أن ذلك الشخص سوف يؤثر علي حياتها في الفترة القادمة و يخرجها من حالتها اليائسة.....




خرجت آيلا إلي الشرفة في اليوم المقبل و في نفس الميعاد و انتظرت قدوم ذلك الصبي التائه.....و لم يطل إنتظارها....خرج الفتي و لكن هذة المرة كان يملؤه الثقة و فاجئها إنه رآها و هي ترقبه....خافت آيلا منه و همت بالرجوع،و لكنه أوقفها و قال لها إنه يمزح....و بدون أي مقدمات بدأ برواية حكايته ......و آيلا تشعر إنها في حلم أو إنها بدأت بالهذيان....هذا فتي و يحدثها! بل و يحكي لها أسرار حياته!


جلست آيلا و هي صامته و صاغية و داخل منها بركان يفور من السعادة و المفاجأة!


و ظلت هكذا كل ليلة حتي انكشفت روحه لها و انفتحت شبابيك نفسها له!


كانت دوماً تجد السعادة و الراحة....أخيراً من فهمها و أسقط عنها لفظ "انطوائية".....
وملئ جزء من الفجوة المنهارة في قلبها....



كانت دائماً تخرج له في الرابعة فجرٍ و يتحدثا و يريها ورودة و يحكي لها عن شغفه بالزراعة..... و كانا يندمجا سوياً كأن لا زمن يمر أو كأن الدنيا تلاشت من حولهم...




مر شريط الذكريات أمام آيلا....و تذكرت في كل لحظة كم كانت سعيدة و مرفرفة في عالم أتاح لها الفرصة في معرفة من هي حقاً.....كم تريد أن تجمد الزمن من أجل البقاء معه....فساعتين يومياً لا يكفيا أبداً....




و فجأة فاقت آيلا من نشوتها و نظرت في الساعة فوجدتها قد تجاوزت الخامسة! و فوجئت بوالدتها أمامها...ووجها به مؤشرات غير مريحة علي الإطلاق!


نعم إن آيلا كانت تعيش حياة وردية و لكن لا شئ يدوم للأبد ....حتماً سوف يعرف أحد.....



حيت آيلا والدتها و سألتها إذا أرادت شئ،ولكن ردت الأم بجملة تملئ القلوب بالرعب دوماً...."اتركي ما بيدك لوهلة....أريد أن أحدثك في موضوع ولا مجال لتأجيله"....



خفق قلب آيلا و كم تمنت لو لم تقابل تلك الفتي ...لحظة ما اسمه؟ ظلت تحدثه شهراً ولا تعرف اسمه!!....و لكن اسمه ليس مهم الآن....حتما هي يوم ما ستنكشف!!



استجمعت جميع قواها و سألت والدتها:"خير؟ماذا حدث؟"



"حبيبتي أنا أعلم أن هذة ليست أفضل أيام حياتك و إنها فترة صعبة....هي هكذا فترات المراهقة و خصوصاً لو كان أبوكِ غير موجود...أعلم ما تمرين به و كم انقلبت حياتك الآن!"



"أمي،فلتتحدثي! هل لهذا أنتِ يقظة؟ لتقولي لي ما يكرره الجميع عني!"



"حسنا آيلا! كفاكِ خروجاً كل يوم إلي الشرفة و التحدث إلي نفسك!!سوف تجني هكذا يا عزيزتي!و هذا الوقت من الليل كما تعلمي غير آمن!"



"نفسي؟أمي أنتِ لا تعي شئٍ.....هناك شخصاً ما يحدثني كل ليلة!،كنت سأخبرك و لكنني كنت دائماً انتظر اللحظة المناسبة....هو جارنا في الشرفة المجاورة....تقريبا ابن جيراننا 
المهاجرين!....شخصيته رائعة و عقله متفتح!....عليكِ بمقابلته!"




اتسعت حدقتي الأم و انتابها الحيرة و التردد مما سمعته....ثم اعتدلت و قالت: 
"حبيبتي جيراننا لم يكن لهم أولاد و هاجروا منذ سنين!....آيلا أنت تهذي! لا وجود لهذا الشخص!"




"لا لا أمي لم أعد أحتمل! حتي أنتِ تقولين مثل جميع الناس!! لم هكذا ليتني أعلم! إذا أنتِ تتهميني بالهذيان فمن يقف في صفي!"



"إذا آيلا ما اسمه؟"


"لا أعي....فانا لم أعبأ غير بمعرفة حكايته التي لامثيل لها!" 


و من ثم برقت عينا آيلا و بسرعة شدت أمها من ذراعيها لتأخذها إلي الشرفة....حتماً سيكون منتظرها مثل كل ليلة....


و انطلقت آيلا إلي الشرفة و ثم نظرت إلي مكانها المحبوب لتجده كمان يكون دومًا....يكسوه التراب من كل جانب ولا آثر لوجود أي كائن بشري!..



"ماذا آيلا؟أين ذلك "الفتي"؟ هل تبخر؟أم ماذا؟"



أحست آيلا أن الكون يتلاشي من حولها.....أين هو؟ أين ذهب؟ أهي حقا مريضة؟....مع من كانت تتحدث البارحة....أين ورودة التي كانت تملأ شرفته؟!!


أين ذهب!


أفاقت آيلا و فجأة صرخت بصوتٍ عالٍ في أمها:



"أمي إننا نعرفه!! إنه من معارفنا....أنا متأكدة أن وجهه مألوف لكِ!!....أقول لكِ شيئا! أأتيني بأطنان الصور التي تحبي أن تجميعها لكل من نعرفهم!...سوف أجده...أنا متأكدة!"



و قالت الأم و هي تتنهد:
"إذا كان ذلك سيريحك،حسناً!"


إتجها إلي درج عتيق بمكتبة البيت....فتحاه فظهر كومة من الألبومات،فاندفعت آيلا و أخذت كومة من الألبومات و جلست علي الأرض تقلب كالمجنونة...



"أولاد خالتي.....عماتي....صديقه ماما....أولادها....أنا مع جدتي....أوف أين هو؟"


لم تجده و انطلقت لتأخذ كومة أخري و أمها ترمقها بعينتين يملؤهما الحزن و القلق!



ظلت كالماكينة ولا جدوي!! و لكنها لم تفقد الأمل فهو موجود!......اتجهت مرة أخري للدرج و قلبته رأساً علي عقب....ثم وجدت ألبوم قديم و اتضح إن لهذا الألبوم مكانة خاصة في قلب أمها....



فتحته و هي تعي سوف تجده هنا.....ظلت تقلب....صور طفل له ملامح من الفتي .....ثم فجأة وجدت صورته وسط زهور و خضرة جميلة.....صورة مبهرة حقاً ولكنها عتيقة...لا يهم،فهي قد وجدته..و جرت آيلا نحو أمها ....


"أمي هذا هو!لقد وجدته!"



و فجأة تغير وجه الأم وأغمضت أعينها في آسي و أجهشت بالبكاء!


"ما بكِ؟! لم تبكي؟من هذا؟ولم لديك صور له في جميع أطوار حياته؟"


تنهدت الأم و استجمعت قواها و قالت:


"آيلا....حبيبتي هذه صورة والدك و هو في مثل سنك!!!"




اتسعت عيني آيلا! و شعرت أن أحدا يقتلع قلبها....هذا كان أبوها!.....كيف لم تشعر! ياااه! تذكرت حساسية والدتها للورد....فهمت لما لم تر أباها يزرع قط!!...



ابتسمت آيلا و مر أمامها الشهر الذي ظلت تكلم فيه أباها....كيف شعر بها و كيف كان هكذا!!....كيف مرت تلك الأيام كالحلم المختلس.....



انهارت آيلا و ارتمت في حضن أمها و ظلت تبكي بحرقة و تذكرت آخر كلمة قالها لها والدها الليلة الماضية.....



"يوماً سوف تصبحي ما تريدين....سوف تخرجي من تلك العباءة التي يفصلها العالم لكِ و يفرضها عليكِ...فقد تذكري أن الحياة لا تقف و أن وقتك هذا سيمضي....أعلمي أن لو أبوكِ كان حياً لتمني أن يراكِ تماما كما تريدي أنتِ و تحلمي دوماً،فليكن يومك سعيداً و حياتك كلها......"




أغمضت آيلا أعينيها في كنف أمها و علمت إنها تغيرت كثيرا وتيقنت أن مسار حياتها سوف ينحدر ليكشف لها ما كانت تجهله و تغض بصرها عنه ....



ستنفتح لها أبواب السعادة التي أصبحت شيء غريباً عنها....

تمتمت آيلا بهدوء:"عجباً لهذة الدنيا و لياليها و أيامها المتشابهه....
...فليحفظك الله دوما يا أبي....."


-تمت بحمد الله-


-سلمي جمال

No comments:

Post a Comment