Saturday, March 21, 2015

من البطل؟ (سلمى جمال)


دخل إلي غرفته علي عجل و هو يتأفف... كم أحب غرفته و شعر إنها مهربه من تلك الدوامة الكئيبة التي تمسك به و تشده من جميع الجوانب...حياته لا يملكها بل هي ملك لعائلته....فأبوه دائما يشكو منه و أمه لا ينقطع إلحاحها له لكي يدخل كلية العلوم حتي يحقق حلمها التي فشلت فيه و يصبح عالم بكتيريا يعالج الأمراض الوبائية المستعصية!....ما ذنبه إذاً!!

اتجه إلي مكتبه و جلس و هو غاضب ثم شرع بالتفكير و لا إرادياً وجد نفسه يفتح كراسته التي دوماً ما يصب بها غضبه و يحوله إلي كلمات لا مثيل لها....كان أمامه ورقة بيضاء ناصعة ليس بها نقطة حبر....فأخذ يبحلق بها طويلا ً و هو يتمني أن تصبح حياته مثل هذه الورقة فيسطر بها ما يشاء....و ظل هكذا حتي التقط قلمه و بدأ كعادته بكتابة بعض الكلمات التي ليس لها أي معني.....و ظل يكتب حتي وجد نفسه أمام دوامة عجيبة من الصفات و المواقف المبعثرة و هو لا يفهم ما كتب أو ما دفعه للكتابة بجنون هكذا....بدأ روياً بمحاولة قراءة ما كتبه...و بالفعل استخلص بعض من كلماته و بدأ بإعادة ترتيبها علي صفحة جديدة و انهمك في تحريف الكلام و إعادة صياغته و ترتيبه....حتي انتهي من الكتابة و ترك القلم و بدأ يقراء كلامه بإعجاب،فهو وصف شخصاً بطلا ً أو هو بالأحري ليس شخصاً بل آلة منقذة....هو حقيقي لا يعلم و لكن ما وجده إنه وصف شخصاً يعمل أربعة و عشرون ساعة باليوم....لا يكل ولا يمل....يستيقظ من السادسة صباحاً و يخلد إلي النوم في الثانية صباحاً .....عقله ليس له بل لمن حوله و حياته ليست ملكه أيضاً فهي تتشكل علي أساس من يحيطون به....قلبه واسع و رحمته و عطفه لا مثيل لهما....يعمل بمهنة يحبها و أيضاً يجيد جميع أعمال المنزلية.... يبكي في صمت و لا أحد يشعر به و دائماً يلقون باللوم عليه لأي فشل أو مشكلة...يفني عمره لإطالة عمر من يحب....يحرص علي إرضاء الجميع و هو سر راحتهم و بالرغم من ذلك هو لا يتذوق طعم الراحة أبداً...دليل لجميع الناس و عبارة عن ماكينة تقرأ أفكارهم و تعي تماماً ما يريدون حتي و إن لم يبدوا أي شيءٍ..قد يكون زنانً بعض الشيء و يتحدث بدون توقف و لكن وجودة شيء أساسي....يتحمل ما لا يُحتمل من أجل فقط رؤية السعادة علي وجوه من يحب....هو أساس النجاح و التوازن و إن كان من حوله يستخفون به و بما يبذله....

يا الله ما هذا! ماذا وصف بحق السماء؟!
مضي يفكر قليلا ً هل هذا روبوت؟ نعم فبالتأكيد هذا شيء غير آدمي!! لا إنسان علي وجه هذة الخليقة يمكن أن يجتمع به كل هذا!!!....لا لا بالتأكيد هذا إنسان آلي صفاته كالجبال وأيضاً له مشاعر حب لا تنضب....هذا نصف إنسان و نصف آلي ولا وجود له إلا في مخيلته العجيبة.....

اكتفي بالتفكير و اقتنع إنه انتهي بوصف روبوت يمكن إختراعه في وسط هذا التقدم التكنولوچي الرهيب ....و لكن أضاءت اللمبة الحمراء في عقله و ظل يفكر ثانياً و وجد أمامه سؤال لا إجابة له....من أين جاء بهذة الصفات؟ هو يمقت كل أفلام الخيال العلمي و ووسائل التكنولوچيا التي تبيد المشاعر شيءٍ فشيئاً فمن أين جاء ذلك الروبوت ذو المشاعر الغامرة؟....هو يعلم أن الكلام الذي يُكتِب يكون خلاصة ما مر به الكاتب و رأه في فترة مؤخرة في حياته....و لكن ما رأه هو ليس له علاقة بتلك الصفات فهو كان دائم الجلوس علي كنبة عتيقة منعزلة في جانب البيت حتي لا يتحدث إليه أحد....كان دوماً يراقب أمه و هي منهمكة في أعمال المنزل و إنهاء ما يخص عملها و أحياناً كان يمر به أبوه ليوبخه قليلا ً و طبعاً لا يكتمل يومه من دون زن إخوته الصغار و شقاوتهم المفزعة....هذة الصفات بالتأكيد ليست صفات أحد من أهل بيته فلا أحد منهم يملك هذة الخِصال الخيالية و هو كان دائمٍ المكوث بالبيت...ظل يفكر حتي كادت رأسه أن تنفجر ....حسناً ربما ليس أشخاصاً و لكن موقف مر أمامه!....نسي ما كان يكتبه و تفنن في صياغته و قلب الصفحة بسرعة و بدأ يسطر أسماء من كان يري الفترة السابقة و من ثم وضع كل الصفات التي كتبها و حاول أن يصل الصفات بالأشخاص كطفل يعد عمره علي يده....و ظل هكذا دون جدوي و الوقت يمر من حوله و جوعه و عطشه يزيدان و يعيقان تفكيرة....آه لو شرب....و من ثم قطع صوت فتح الباب تفكيره العميق و دخلت أمه واجمة و بيدها صحن من الطعام و كوب من الماء...و ظلت توبخه لنسيانه لنفسه هكذا و تأخره عنهم وكيف إنه علي معدته خاوية حتي الليل....و ظل هو أمامها بلا كلام و لكن كان هناك ابتسامة خفية مرتسمة علي شفتاه....لقد جاءته أمه و هو في أشد الحاجة إلي ما تحمل و كأنها تقرأ أفكاره....زادت ابتسامته و هو بدأ يعي عن من كان يكتب....عن من كان يشاهد كل يومٍ في صمت....أخيراً عرف ذلك الإنسان الآلي....

و ثم قام بقطع توبيخ أمه الذي لا ينقطع و قال لها في حب و حنان: "أنتِ أجمل و أقوي من رأت عينا....أنتِ مراية روحي التي تعاونني...أنتِ الحياة بأكملها".....و انفتحت عينا الأم باستغراب و من ثم دخل هو في حضنها بسرعة و كان في أشد الحاجة إلي هذا الكنف.... تاه في حضن أمه الذي أخيراً أعطاه الراحة بعد ساعات التفكير المرهقة التي قضاها و كان علي وشك الجنان.....

كم شعر بأمه و معانتها...كم شعر في هذة اللحظة أن ما فشلت به أمة كان سبب نجاحه هو....أن ما ضحت به أمه سبب سعادته هو...كم شعر بعظمتها و دورها و حبها و عطفها .....كم شعر بضعفها و بتقليل الجميع لها....أخيراً وعي لم أمه تريده أن يصبح عالماً....لم هي قلوقة بشأنه دائماً و لم هي أول من يشعر حقاً بما يشعر.....هذا ببساطة لإن أمه هي شباك روحه و مدخلها .....هي حقاً من سيصنعه لكي يواجه هذة الحياة المريرة....هي حقاً من وهبها الله له و قلبها و ووقتها و كل ثانية من عمرها له و له هو فقط...وعي حقاً أن أمه ،و كل الأمهات، هن ذلك المزيج الخيالي من المشاعر و الآلية....مزيج لن يتوصل له أحد و لن يشعر به أحد بل و لن يقدر أحد علي فعل ربع ما يفعلوه....فقوتهم مصدرها منبع حب و قوة لا ينضب أبداً.....

حفظ الله جميع الأمهات و ألهمهم الصبر و الحب دوماً....

كل سنة و كل الأمهات بخير و سعادة و صحة يارب
!

No comments:

Post a Comment